الشعر الحساني: صوت الفلكلور في موريتانيا
يُعدُّ الشعر الحساني أحد أبرز مكونات التراث الثقافي لموريتانيا، حيث يمثل انعكاسًا حيًا لحياة المجتمع الحساني وهويته الثقافية. نشأ هذا الشعر في بيئة صحراوية تجتمع فيها البساطة والعمق، متجذرًا في الفلكلور الشعبي ومتصلًا بالحياة اليومية، مما جعله وسيلة للتعبير عن التجارب الفردية والجماعية، ومخزنًا للمعارف والقيم.
ما هو الشعر الحساني؟
الشعر الحساني، أو “لغن” كما يُطلق عليه محليًا، هو نوع من الشعر الشفهي المكتوب باللهجة الحسانية، وهي لهجة مشتقة من العربية الفصحى مع تأثيرات بربرية وإفريقية. يتميز هذا الشعر ببنية إيقاعية متفردة تعتمد على وحدات موسيقية تُعرف بـ”البحور الحسانية”، وهي تختلف عن بحور الشعر العربي الكلاسيكي، لكنها تحتفظ بجوهر الموسيقى الشعرية.
الشعر الحساني كصوت للفلكلور
يتجاوز الشعر الحساني كونه مجرد شكل من أشكال الأدب، ليصبح صوتًا يعبر عن الفلكلور الشعبي. يعكس هذا الشعر تفاصيل الحياة اليومية، من الكرم والشجاعة إلى الحب والحزن، مرورًا بأحداث الحياة الاجتماعية مثل الزواج والصداقة والرحلات.
في الحكايات الشعرية، يظهر ارتباط الإنسان الحساني بالطبيعة، حيث تُستخدم صور الصحراء والإبل والنخيل كرموز تعبر عن الحياة وقيمها. كما يتطرق الشعر الحساني إلى سرد القصص البطولية والحكايات المرتبطة بالتاريخ المحلي، مما يجعله وسيلة لتوثيق الهوية والحفاظ على الذاكرة الجماعية.
دور الشعر الحساني في المجتمع
الشعر الحساني ليس مجرد فن أدبي، بل هو جزء من الحياة الاجتماعية في موريتانيا. يُلقى في التجمعات التقليدية مثل “المحاضر”، وهي المدارس البدوية، وفي المناسبات الاجتماعية مثل الأعراس والمجالس الليلية. يضفي هذا الشعر على هذه المناسبات طابعًا احتفاليًا ويعزز من قيم الوحدة والانتماء.
كما لعب الشعر الحساني دورًا سياسيًا في فترات مختلفة من تاريخ موريتانيا، حيث استخدمه الشعراء كوسيلة للتعبير عن المواقف السياسية والاجتماعية، سواء من خلال تمجيد الزعماء أو انتقاد الأوضاع السائدة.
التحديات التي تواجه الشعر الحساني
على الرغم من مكانته المرموقة في الثقافة الموريتانية، يواجه الشعر الحساني تحديات كبيرة في العصر الحديث، أبرزها تغير نمط الحياة التقليدي بفعل التمدن والتكنولوجيا. ومع تقلص عدد المحاضر التقليدية وانتشار وسائل الإعلام الحديثة، بدأ الاعتماد على الشعر الشفهي يتراجع لصالح أشكال أخرى من التعبير الثقافي.
الحفاظ على الشعر الحساني: بين التراث والحداثة
للحفاظ على الشعر الحساني كجزء من الفلكلور الموريتاني، يجب تعزيز الجهود الرامية إلى توثيقه ونشره عبر الوسائل الحديثة. يمكن أن تلعب المبادرات الثقافية، مثل المهرجانات والفعاليات الأدبية، دورًا كبيرًا في إحياء هذا التراث. كما يمكن استغلال التكنولوجيا لتسجيل الشعر وتوثيقه إلكترونيًا، مما يضمن استمراريته للأجيال القادمة.
الخاتمة
يبقى الشعر الحساني صوتًا حيًا يعبر عن الفلكلور الموريتاني ويمثل الرابط بين الماضي والحاضر. إنه تعبير عن هوية ثقافية فريدة، تنبض بالحياة على إيقاع الصحراء وروح المجتمع الحساني. إن الحفاظ عليه ليس مجرد صون لتراث أدبي، بل هو استمرارية لثقافة تشكل جزءًا من وجدان موريتانيا وذاكرتها.