اللغة الحسانيّة: جماليات وتحديات التعبير الأدبي
اللغة الحسانيّة، وهي لهجة عربية تُستخدم في منطقة الصحراء الكبرى وخصوصًا في موريتانيا وبعض الدول المجاورة، تمتاز بجماليات فريدة تميزها عن اللهجات العربية الأخرى. ترتبط هذه اللهجة بتراث ثقافي غني يتجسد في الشعر الحساني “لغن” والأدب الشفوي الشعبي الذي يحمل في طياته حكايات وقصائد وقصص شعبية تعكس هوية وتاريخ أهل الصحراء.
جماليات اللغة الحسانيّة
تتميز اللغة الحسانيّة بجماليات متعددة تشمل الإيقاع والقافية المستخدمة في الشعر الحساني، والتي تتبع نظامًا موسيقيًا خاصًا يعبر عن تناغم الكلمات وانسيابها. الشعر الحساني، الذي يُعرف باسم “لغن”، له قواعده وأوزانه الخاصة المستوحاة من البيئة الصحراوية، فهو يعتمد على وصف الطبيعة والكرم والشجاعة والحب بأسلوب يجمع بين الجمالية والبساطة. كما تتميز الحسانيّة بتنوع المفردات والألفاظ ذات الأصوات العميقة والمعبّرة، التي تعكس الحياة اليومية والتجارب الحياتية لأهل الصحراء.
وتُعتبر القوافي في الشعر الحسانيّ جزءًا جوهريًا من جماليات التعبير، حيث يلتزم الشعراء بنمط موسيقي خاص يُعرف بـ”البحور”، الذي يعكس التوازن الصوتي في الشعر ويسهم في تحقيق تواصل متناغم مع المستمعين. وتستخدم اللغة الحسانيّة في التعبير الأدبي صورًا واستعارات مستوحاة من البيئة المحيطة، مثل وصف رمال الصحراء وأمواج البحار وسماء الليل، مما يعطي للقصائد طابعًا بصريًا وحسيًا رائعًا.
تحديات التعبير الأدبي في اللغة الحسانيّة
رغم الجماليات المتعددة للغة الحسانيّة، تواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على هذا التراث الأدبي ونقله إلى الأجيال الجديدة. ومن أبرز هذه التحديات، تراجع الاهتمام باللغة الحسانيّة لدى الأجيال الشابة بسبب تأثير وسائل الإعلام وانتشار اللغة العربية الفصحى أو اللغات الأجنبية في المدارس والمؤسسات الرسمية. هذا التغير قد يؤدي إلى اندثار بعض المفردات والتعابير الحسانيّة الأصيلة.
كما تواجه اللغة الحسانيّة تحديات في التدوين والكتابة، إذ إنها تُستخدم غالبًا كلغة شفوية وليست مكتوبة، مما يعوق نشر الأدب الحساني وجعله متاحًا في شكل مكتوب للأجيال القادمة. قلة الموارد المكتوبة وعدم وجود قواميس ومراجع كافية للغة الحسانيّة يجعل من الصعب على الباحثين والمهتمين بالأدب الحساني توثيق هذا التراث الغني والمحافظة عليه.
ويُعد نقص المؤسسات الداعمة للحسانيّة وتراجع الثقافة الشفوية من أكبر التحديات التي تواجه الأدب الحساني، حيث لا توجد مبادرات رسمية كافية تُعنى بتعليم هذه اللغة أو نشرها ضمن المواد التعليمية. على الرغم من ذلك، فإن هناك جهودًا فردية وبعض المبادرات الثقافية التي تسعى لإحياء الأدب الحساني وتوثيقه من خلال الأعمال المطبوعة والمنشورات عبر الإنترنت، إلا أنها تظل غير كافية لمواجهة التحديات الكبرى التي تهدد استمرارية اللغة الحسانيّة.
جهود إحياء الأدب الحسانيّ
في ظل هذه التحديات، ظهرت بعض المبادرات التي تسعى لإحياء اللغة الحسانيّة والحفاظ على التراث الأدبي المتصل بها، مثل إقامة المهرجانات الشعرية الحسانيّة في موريتانيا، حيث يتم دعوة الشعراء الشعبيين لتقديم قصائدهم أمام الجمهور، مما يُسهم في نشر الوعي حول هذه اللغة وجذب الأجيال الشابة إليها.
كذلك، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا هامًا في تسهيل نشر الشعر الحساني والنصوص الأدبية المرتبطة به، حيث يقوم العديد من الشعراء والمهتمين بتسجيل قصائدهم ومشاركتها عبر المنصات المختلفة، مما يتيح للأدب الحساني الانتشار والوصول إلى جمهور أوسع.
الخاتمة
اللغة الحسانيّة تمثل جزءًا أصيلًا من الهوية الثقافية لشعوب الصحراء، وتحمل في طياتها جمالية تعبيرية نادرة وتحديات كبيرة تتطلب تكاتف الجهود للحفاظ عليها. إن دعم اللغة الحسانيّة وإعطائها مساحة في المناهج التعليمية والوسائل الإعلامية، إلى جانب توثيق الأدب الحساني وتدوينه، يُعد من الأمور الضرورية لضمان استمرارية هذا التراث الأدبي.